كانت الحرب الأهلية السورية أيضًا "إفلاسًا للحل السياسي ودبلوماسية المجتمع الدولي" وخاصة بالنسبة للأمم المتحدة، حيث تتم الآن إضافة صفحة جديدة إلى سجل الفشل هذا.
أعلن الممثل الخاص للولايات المتحدة لسوريا جيمس جيفري أن اجتماعات اللجنة الدستورية السورية ستبدأ في 24 آب / أغسطس في جنيف.
وتم عقد أكثر من 50 اجتماعاً في جنيف وفيينا وميونيخ وأستانا والرياض والقاهرة وسوتشي منذ عام 2011 لإيجاد "حلّ" دبلوماسي / سياسي للحرب الأهلية والأزمة السورية، وكلها باءت بالفشل.
وقف القتال من جهة، ومثل هذه المحاولات الدبلوماسيّة، من جهة أخرى، هي التي تسبّبت باحتلال تركيا المزيد من الأراضي السوريّة.
توقيت الاجتماع ودلالاته
تشكلت اللجنة الدستورية السورية في وقت كانت دولة الاحتلال التركي تحتلّ كري سبي وسري كانيه. اللافت أن الاجتماع الذي سيعقد في 24 آب / أغسطس هو ذكرى بدء الاحتلال التركي الأول لسوريا، المعروف باسم "درع الفرات".
السبب الأهم لفشل المحادثات حتى الآن هو أن القوى الدولية استبعدت الكرد وأهالي شمال وشرق سوريا من هذه الاجتماعات.
ماذا قال جيفري؟
طرح تساؤل حول إشراك الكرد في اجتماعات اللجنة الدستوريّة أم لا. طُرح هذا السؤال على جيمس جيفري المعروف بين الرأي العام الكردي بأنه السبب الرئيس للاحتلال الاخير الذي اقدمت عليه دولة الاحتلال التركي في تل أبيض وسرى كانيه، فكان ردّ جيفري، كما هو الحال دائماً، ردّاً مبهماً حيث قال: "إن من يشغلون مكانهم في اللجنة الدستورية السورية، والذين يشاركون في المفاوضات، يتمّ اختيارهم من قبل جميع الدول، ومشاركتهم لا تشكل هيكلاً تنظيمياً محدداً، ومسألة مشاركة ممثلين عن الادارة في شمال وشرق سوريا قيد البحث. ما يمكنني قوله هو، ينبغي أنّ يناقش ممثّلون من المعارضة السوريّة وآخرون من الحكومة السوريّة هذا الموضوع مع إدارة شمال وشرق سوريا، لا أن تتدخّل أطراف دوليّة فيه".
كيف تمّ إنشاء اللجنة الدستورية الأساسية؟
طُرِحت فكرة إنشاء لجنة دستورية سورية لأول مرة على جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري في كانون الثاني / يناير 2018 في مدينة سوتشي الروسية بقيادة روسيا وإيران وتركيا.
وقد وضع اجتماعا أستانا وسوتشي، اللذان انطلقا كبديل لمحادثات جنيف، فكرة اللجنة الدستورية أظهرت خلافات بين القوى المعنيّة بالأزمة السوريّة، فتدخّلت الأمم المتّحدة وحلّت تلك الخلافات بعد إعلان أمينها العام، أنطونيو غوتيرش، في أيلول / سبتمبر 2019 عن تشكيل لجنة دستوريّة خاصّة بسوريا.
لجنة مؤلّفة من 3 أقسام بمشاركة 150 شخصاً
اللجنة الدستورية مؤلّفة من 150 شخصاً. 50 منهم ممثلون عن النظام السوري، و50 من المعارضة و50 من منظمات المجتمع المدني في سوريا التي تحددها الأمم المتحدة.
لكن ممثلي عن الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا، التي تمثل أكثر من 5 ملايين شخص في سوريا وتسيطر على 30 في المائة من الأراضي السورية، لم يتم تضمينهم في اللجنة الدستورية.
وعقدت اللجنة اجتماعها الافتتاحي في 30 أكتوبر/ تشرين الاول 2019 في مكتب جنيف بنيويورك، في الوقت الذي استمرت فيها هجمات دولة الاحتلال التركي لاحتلال سري كانيه وكري سبي.
وزعم الممثل الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن أن المبدأ الأساسي للاجتماعات سيكون "وحدة سوريا وسلامتها واستقلالها واحترام سيادتها".
لجنة كتابة الدستور الأساسي المؤلف من 45 شخصاً
وعقب الاجتماع تشكلت لجنة دستورية من 45 عضواً، 15 عضواً من النظام و15 من المعارضة و15 من منظمات المجتمع المدني.
وخلال الجولة الثانية من المحادثات في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، صرح وفد النظام بأنه "يجب اتخاذ موقف مشترك ضد الاحتلال التركي" و"يجب أخذ استقلال سوريا وسلامة أراضيها في الاعتبار"، قوبل هذا المطلب بالرفض من قبل وفد المعارضة، فأعلن وفد النظام حينها أنّ هذا الوفد هو "وفد تركي".
بعد 9 أشهر، تجتمع اللجنة الدستورية مرة أخرى، وفي ذكرى معركة مرج دابق التي وقعت في 24 أغسطس 1516، بدأت هجمات الاحتلال التي اطلقت على نفسها "درع الفرات" لتحقيق حلم إعادة السلطنة العثمانيّة.
ما مصير مفاوضات جنيف؟
عقدت 8 جولات من مفاوضات جنيف، التي كانت تهدف لإيجاد حلّ سياسيّ للأزمة السوريّة، دون مشاركة الكرد ولا ممثّلين عن إدارة شمال وشرق سوريا، لم ينتج عنها جميعاً أيّة نتائج.
جنيف1
تم عقده في 30 يونيو/ حزيران 2012 في مدينة جنيف السويسرية. وشاركت فيها الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وقطر وتركيا والعراق والكويت. كانت أكبر مشكلة في هذا الاجتماع هي أن طرفي الصراع في سوريا (النظام والمعارضة) لم يشاركا مباشرة في الاجتماعات. وتم الاتفاق أخيراً على "تشكيل حكومة مؤقتة" تضم الجانبين. وبقيت الخطة على الورق حيث لم تعرف الدولة الداعمة لفصائل المعارضة، لا سيما تركيا وقطر، هل ستكون الحكومة المؤقتة بوجود الأسد أو بدونه.
وفي تلك الفترة، لم يعترف نظام الأسد ولا المعارضة بالكرد، كما ازدادت وتيرة الحرب في سوريا، وانطلقت حينها ثورة روج افا في 19 يوليو/ تموز 2012.
جنيف 2
عقدت اجتماعات الجولة الثانية من مفاوضات جنيف بين 22 يناير/ كانون الثاني و16 فبراير/ شباط 2014 ، ولكن لم يتم الإعلان عن نتائج. ولأن النظام التركي ومعارضي النظام لم يعترفوا بحقوق الكرد، صرح الكرد بأنهم لن يقبلوا بالنتائج التي ستصدر عن هذا المؤتمر. ومع بدء المحادثات في جنيف، تمّ الإعلان عن تأسيس الإدارة الذاتية.
جنيف 3
بدأ بعد يومين من الانتصار التاريخي الذي تحقق في كوباني في 29 كانون الثاني 2015. وأرسلت الدعوات لممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الدّيمقراطيّ TEV-DEM، ومجلس سوريا الديمقراطية. لكن الدولة التركية رفضت وجودهم في المؤتمر على مبدأ "إمّا انا أو هم" وبالتالي لم يتمكن الوفد الكردي في جنيف من حضور الاجتماعات.
جنيف 4
كان اللقاء الذي عُقد في 23 فبراير/ شباط 2017 بمثابة مبارزة بين محادثات أستانا بين روسيا وإيران والدولة التركية، حيث أضاف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 أربع نقاط على النحو التالي: الإدارة المؤقتة، وضع الانتخابات الحرة والتعددية الحزبية، دستور جديد ومكافحة الإرهاب. ولكن مرة أخرى لم يتم وضع مشروع حلّ قابل للتطبيق.
جنيف 5
تم عقده في 22 مارس/ آذار 2017 حيث تقرر أن تعمل الأطراف على العناوين الرئيسية الأربعة لقرار مجلس الأمن 2254.
جنيف 6
عقد بين 16 و20 أيار / مايو 2017 بإشراف الممثل الخاص للأمم المتحدة لسوريا ستافان دي ميستورا وحضره وفود من النظام السوري ومعارضين للنظام. وانتهى الاجتماع، الذي كان من المفترض أن يركز على جميع الموضوعات الأربعة، قبل أن يتمكن الوفدان من مناقشة أيّ منها.
جنيف 7
وعقد الاجتماع بين 10 و 15 تموز / يوليو 2017 وناقش مواضيع "وقف إطلاق النار وعملية الانتقال السياسي والدستور الجديد والإرهاب".
جنيف 8
عُقد الاجتماع في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 وأقر الممثل الخاص لنيويورك ستافان دي مستورا بفشل المفاوضات، حيث أكّد أنّ سبب الفشل هو تعنّت وفد المعارضة، وتطابقت تصريحاته مع تصريحات وفد النظام في تلك الاجتماعات.
الولايات المتحدة وروسيا شريكتان في إبعاد الكرد عن طاولة المفاوضات
أصرّت دولة الاحتلال التركي على إبعاد الكرد عن طاولة المفاوضات الدولية. وكان موقف الولايات المتحدة وروسيا، ليس بعيداً عن هذا النهج، لأسباب مختلفة.
تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على علاقاتها مع شمال شرق سوريا على أساس عسكري، كما تواصل روسيا محاولاتها في اخضاع الكرد إلى النظام السوري.
وأفادت مصادر أن هناك محاولات لإشراك الكرد وبعض الشخصيات من مناطق شمال وشرق سوريا، تحت مسمّى "الكوتا" الممنوح لمنظمات المجتمع المدني، في اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، إلا أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ترفض هذا الطرح وهذا الشكل من التمثيل في اللجنة.